دليلكم لشراء الكتب: كيف نختار الكتاب المناسب ونتجنب الخيبات الورقية؟

معرض الكتاب، الدوحة، كانون الثاني، 2022

 

هذا دليل خاص ومرده تجاربي الشخصية مع الكتب؛ فلا منهجية علمية ولا سحرية وراءه بل استدلال عقلي سريع يرافقه حدس أسعفني كثيرًا عندما لم يسعفني غيره شيء آخر ووفر عليّ خيبات عديدة، ناهيكم توفير النقود، وستشعرون في ختام المقال ببداهة طريقتي.

كيف أنظر إلى الكتاب؟

الكتاب تتويج لمجهود عقلي ونفسي وبدني كبير ووراء كل واحد قصة طويلة من لحظة ولادة الفكرة لصدوره مرورًا بكل من راجعوه قبل أن يرى النور وقرروا أنه جدير بالنشر، وبالتالي نتوقع أن يكون الكتاب في جملة تفاصيله ترجمة ورقية لهذه الرحلة الشاقة، وشخصيًا أحاكم المسودة النهائية التي أجدها على رفوف المكتبات من هذا المنطلق، وقلما أعذر الكُتاب والكاتبات على أشياء قد تبدو لغيري بسيطة.[1]

سأُقسم الكتب هنا إلى فكرية وأدبية وإن كنت لا أؤمن بهذا التصنيف، فهو عندي تقسيم مُصطنع لغرض التوضيح وحسب، وعليه وجب التنبيه. كما يفترض هذا الدليل أن القارئ أو القارئة يمسك بكتاب لا حضور إلكتروني له يصاحبه مراجعات القراء، فقط أنت والكتاب، من باب علمني الصيد.   

كيف نختار الكتاب الفكري المناسب؟

سواء صدرَ الكتاب الفكري عن دار نشر عامة أو عن مؤسسة بحثية أو عن مؤسسة حكومية أو خلاف ذلك، فكونوا على ثقة أنه مر بمراحل مراجعة وصقل عديدة قد تتجاوز العقد في بعض الحالات القليلة، وهذا يعني بأن النسخة التي بين أيديكم الآن سليلة عشرات العيون والعقول، بالطبع هذه الرحلة المثالية لأي كتاب منشور، تقصر وتطول وتسهل وتتعقد وفقًا لسياقات كثيرة، لكن ما يلي يكاد ينطبق على جميعها:

  1. العنوان: نعم، على بساطة هذا المعيار إلا أنه حاسم للغاية، ففيه تتجسد الكلية الفكرية للمشروع البحثي ومنهجه العلمي وفي أحيان كثيرة كل ما سيقال.
  2. الغلاف الخلفي: ستجدون على الغلاف الخلفي لغالبية الكتب ملخص بسيط للمشروع البحثي وأهم ما يطرحه من قضايا، ويمكنكم من خلاله معرفة مدى قرب هذا الكتاب عما تبحثون عنه، فضلًا عن مقتبسات بعض من قرأوا الكتاب، شخصيًا لا ألقي لها بالاً في الكتب الفكرية لأنها إما أن تكون خدعة تسويقية، أو أن ما شدهم لا يشدني، أو لأنهم أصدقاء ومعارف الكاتب أو الكاتبة ويشتركون في جمعية «حك لي لأحك لك.»
  3. الفهرست أو المحتويات: هنا أمعن النظر في تسلسل أفكار الباحث أو الباحثة بحثًا عن بنية المشروع وإلى أين يتدرج، وهل هذه المواضيع التي سأشتري الكتاب لأجلها؟ هل هناك منهجية ومقدمة وخاتمة للكتاب وما شابه من تفاصيل أتوقعها من كتاب فكري جاد.
  4. المدخل والمنهجية العلمية: هنا يكون اختلاف العقول على أشده؛ هل الأسئلة التي يطرحها صاحب أو صاحبة الكتاب هي ما أفتش عن إجابات لها؟ هل المشروع البحثي قائم على منهجية علمية أراها سليمة؟ ما مدى قوة النقاط المطروحة؟ وحدة الحس النقدي للباحث أو للباحثة؟
  5. الخاتمة: نعم صحيح، اقرأ الخاتمة مباشرة بعد المقدمة وأحيانًا قبلها، بحثًا عمّا يُقال وعما يّثار من قضايا لمعرفة مدى توافقها مع ما يشدني من مواضيع، وهل ينتهي الكتاب بطرح أسئلة جديدة أم بأجوبة ناجزة؟ وغير ذلك من المزاجيات الفكرية لكل واحدة وواحدة منا. شخصيًا أحب الكتب التي تنتهي بأسئلة أكثر وأحدث من الأسئلة التي طُرحت في المقدمة.
  6. المراجع: المعيار الحاسم والأخير وبعدها أقرر الاقتناء من عدمه، وأبحث عن نقطتين رئيستين: أولًا، عناوين الكتب المُقتبسة: (هل قرأتها من قبل؟ هل أعجبتني؟ ما المدرسة الفكرية التي تجمع هذه العنوانين؟ وبالمناسبة، هنا يمكن معرف التوجه المعرفي والإيدولوجي السياسي والفكري بل والجنسي للمؤلف أو المؤلفة.) ثانيًا، تواريخ نشر الكتب المقتبسة وهنا لا أعذر أحدًا: (ما عمر الكتب والمراجع والمصادر البحثية المُدرجة؟ ما نسبة الكتب الحديثة من كلية الكتب المقتبسة؟ إذا كانت كلها أكبر بعشرين عامًا من تاريخ إصدار الكتاب لا أشتريه؟ إذا كانت غالبيتها أقل من عشر سنوات أشتريه، إذا استوفي المعايير السابق ذكرها أيضًا؟ أما الكتب التي تكون ما بين بين؛ فلها حسبتها الخاصة، المهم أن تكون هناك كتب حديثة وكلما كان عمرها أصغر وعددها أكثر كان أفضل.) باختصار، الباحث أو الباحثة الذي لا يعتمد على مصادر حديثة لم يقم بواجبه على أتم وجه.[2]

كيف نختار الكتاب الأدبي المناسب؟

ما أهون السابق عن اللاحق؛ فالمعايير التي أتبعها في اختيار الروايات والدواوين الشعرية والقصص والنصوص الإبداعية عمومًا ذاتية للغاية، وهي نتاج ذائقة فنية ربيتها على مدى سنين طويلة كما هي الحال مع كل قارئ وقارئة منكم، لكن سأحاول.

  1. العنوان: كما اسلفت عن العناوين وأهميتها، لكن هنا أفتش عن الحس الفني للمؤلف أو المؤلفة ومدى جاذبية العنوان وجماليته، كتعبير فني عن تجربة وجودية كاملة، وهي مهمة صعبة حقيقة، لكن دائمًا ما أجد مؤلفات أبرع الكتاب والكاتبات بعنوانين جميلة. لا أنكر انسياقي السهل وراء جمال الغلاف وأناقة التصميم ولذة الورق الكريمي (الشمواه) بتدرجاته المختلفة.
  2. الغلاف الخلفي: مرة ثانية نفتش هنا عن تفاصيل تجربة فنية يكتنفها كتاب لا نستطيع قراءته كله قبل شراءه، وكما هي الحال مع الكتب الفكرية مع فارق أني أركز أكثر هنا على ما يكتبه المراجعون إن وجد، فقد يشدني ما شدهم على مستوى جمالي.
  3. الصفحة الأولى، الفقرة الأولى، الجملة الأولى، الكلمة الأولى: للروايات والقصص النصيب الأكبر من هذا المعيار وخلاصته أني أبحث ومن الفقرة الأولى عما يشدني، لأنها قصة في النهاية، وإن لم تكن مثيرة – الإثارة بمعناها الواسع – فلا تستحق وقتي. أريد أن أرى كيف سيدخلني الكاتب أو الكاتبة لعوالمه المتخيلة: من أي باب\نافذة\حفرة\نفق\خرم إبرة؟قرأت مرة رواية كاملة لأني انكسرت أمام الكلمة الافتتاحية لها وكانت: «لا تخف»، بل بعض الروايات تلخص الصراع المحرك للعمل الفني كله في الجملة الأولى. خلاصة القول، أعطي الروايات غالبًا أول خمس لعشر صفحات، وإن لم أشعر بشيء لا اقتنيها.
  4. ما الحبكة: عمّا تتحدث الرواية أو المجموعة القصصية التي أمسكها؟ ما حبكتها؟ ما التجربة الوجودية التي رأى المؤلف أو المؤلفة أنها تستحق أن تكتب وتطبع وتباع ليقرأها الناس؟ هل أنا مهتم بهذا النوع من القصص أو التجارب؟ بعض الأعمال الأدبية تضع الحبكة على الغلاف الخلفي مباشرة بدون لف ودوران؟ عجبك أشتري ما عجبك الله معك.
  5. استحالة الشعر: الشعر المستحيل الأخير في معاييرنا، لكني شخصيًا أكره الشعر الوعظي المباشر الذي يلقن قراءه بالملعقة ويمسح بعدها أفواههم، وأكره الشعر الحماسي خاصة الشعر الوطني السهل، والشعر الذي يسكن زاوية الصفحة ويترك بقيتها بيضاء، والشعر الرومنسي الذي يُشييء النساء، والشعر الذي يُصر أنه شعر، والشعر الذي لا يعرف أنه مجرد تقيؤ عاطفي، والشعر الذي لا يعي ذاته، والشعر الذي يكتب مقدمته مؤلفه أو مؤلفته فرحًا، والشعر الذي يُطبع على نفقة الأحزاب السياسية والجهات الحكومية.

معايير إضافية ثانوية:

  • دور النشر: لكل دور النشر توجه فكري ومعرفي وسياسي بل وفني يصعب اخفاءه، وبعد سنوات من القراءة والمطالعة ستراكمون ذائقة نقدية حادة في هذا المجال، وسيصبح لكم دور نشر محببة.
  • عدد الطبعات: عندما ننظر لهذا المعيار عربيًا نقع بسهولة في فخ التسويق الفكري لغياب قانون ناظم أو حتى تواطؤ عام صامت على عدد نسخ الطبعة الواحدة، ولكن كقاعدة عامة كلما زاد عدد الطبعات فهذا يعني بأن الكتاب اُستقبل بحفاوة بين القراء أمثالكم وعليه قررت دار النشر إصدار طبعة ثانية وثالثة… إلخ، لكن يمكنكم سؤال الناشر عن عدد نسخ الطبعة الواحدة وفقًا لمعاييرهم. أخبرني بعض الثقات بأن بعض دور النشر تعتبر المائة نسخة الأولى من الكتاب طبعة أولى تدليسًا على القراء، والله أعلى وأعلم.
  • المترجمـ ة: نعم يا سادة، وعربيًا مرة ثانية، المترجم أو المترجمة وفي عدد حالات يتجاوز الطبيعي هو من يختار الكتاب الذي رأى بأنه يستحق النشر، بل بعضهم يترجم الكتاب ثم يبحث عن دار نشر تشتري الحقوق وتنشره بعد أن تشتري ترجمته، وإن كان محظوظًا كان ينشروا اسمه أو اسمها على الغلاف.
  • جماعات القراء: هذه معروفة لكنها تستحق الذكر سواء حضوريًا أو افتراضيًا، وعوائدها عظيمة خاصة لو كان الإنسان محظوظًا ووجد جماعة على هواه وكلهم يتبادلون الترشيحات.

 

ختامًا، قراءة ممتعة.

—————————

[1] اثنان من كتبي المفضلة مليئان بالأخطاء الإملائية والنحوية

[2]  بالطبع سياق الكتاب له دور مهم في حسبة التواريخ.

أضف تعليق