هجرت بيتك واغلقت الكتاب
لم أخذ سوى قوت من ذكرى الأحباب
وشربة ماء قرير
ولكي لا يلحقني شيطاني أغلقت خلفي الباب
وبدأت المسير
وتلاشت صرخاته خلف الضباب
واندثر النفير
بدى على الدرب الطول
وعلى جانبيه
رأيت للبؤس حقول
كهل يلاعب حفيديه
بركة دماء تحت قدميه
أطفال بلا ضحكة ملاك
كوخ محترق هناك
قطع لحم على الأسلاك
.لا تتوقف.” قال الكهل”
،ولا تمشي على مهل”
“.فقد تسقط في إحدى الشباك
واصلت طريقي واليأس يعتليني
دمعة للعين هجرت
وثوب الحزن الأسود يرتديني
و أغصان الشجر نصبت
مشنقه للقمر، على مرأى العاشقين
وردة حمراء فجعت
على من معهم في يوم رقصت
وألقت بتعويذاتها على جبيني
“لقد سار على هذا الدرب الكثير”
.قالت الوردة الجامدة
،لست الأول ولا الأخير”
.الذي يرى الجثث الهامدة
،أرضنا تشرب الدم وتقتات السعير
بقيت وحدي صامدة
في وجه هذا البؤس الحقير
اذهب يا ذا العين الساهدة
.”لا تكترث.. وأكمل المسير
قالتها بصوتٍ أجــش الرنين
مفجوع الصدى والطنين
أكملت دربي في صمت عميق
ووراء وادي الويل السحيق
بدا تلٌ
وتلاشت رائحة الحريق
و بدأ الضباب يختل
وخلف التل بدأ الضباب بالانقشاع
والضوء بان
وهمس امرأة يذهل الأسماع
مدينة اللاانسان
أبنية بيضاء زينها من الشمس شعاع
هنا اللامكان
هل هي يوتيبيا نازك؟
أم فاضلة أفلاطون؟
“الكثير من البؤس قد حازك!
وتبدى على وجهك الجنون“
قالتها صاحبة الهمس
وتراءت بسمة في العيون
هذه مدينة الشمس
مدينة للوادعين
مخفية على مر السنين
تكسر الصمت المهين
وتداوي ملل اليائسين
فرددت…
لقد أخذت كفايتي من البؤس
وطريقي لكم كان طويل
ولا أريد سوى دخول مدينة الشمس
وأنال من السعادة القليل
لدخول مدينة الشمس
عليك أن تشرب الإكسير
فليس ساكنيها من الإنس
ولن تكون لجسدك أسير
ألقت كلامها بحس
وبدأت أمعن التفكير
ولكن…حذاري !!
المدينة تختار ساكنيها
هكذا جرت الأمور
فالمدينة تخشى من كارهيها
تعكير صفو السرور
فالإكسير إما يكون
إكسير حياة
أو إكسير ممات
قالت المرأة هذا الكلام
وتركتني لاعتراك الأوهام
أنها لحظة تقرير المصير
فإما.. سعادة بلا عقد
أو بؤس للأبد
تبا!!
سأشرب الإكسي
تجرعت مرارة الإكسير بلحظة صمت
وفجأة تراءى إمامي البيت
لطمه قوية من كف الموت
أسقطتني ممعن النظر في الأفق المديد
متثاقل الأنفاس محترق الوريد
لقد شربت الكأس وما ترتويها
فخسرت روحي وما يعتليها
وحياة البؤس وما تحتويها
لمدينة شمس أردت العيش فيها
ساهدي العيون
لا نعرف من نكون!
تمرسنا اليأس في ضباب القرون
تتهاوى أجسادنا
في صمت السكون
من البيت إلى مدينة الشمس
طريق ما أطوله
وعلى جانبيه تمرس البؤس
شعب بأكمله